الجمعة , مارس 29 2024
الاستثمار في الهيدروجين الأخضر

الاستثمار في الهيدروجين الأخضر

مع بدء الحكومات حول العالم باستيعاب حقيقة التغيّر المناخي، يتسارع التحول نحو الاقتصاد الأخضر بين القوى الكبرى في العالم. لطالما تصدّرت أوروبا الطليعة في تلك المساعي. وتماشياً مع التزامه باتفاقية باريس، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى أن يكون محايداً مناخياً بحلول عام 2050، وهو الهدف الذي يشكل الآن جوهر «الصفقة الأوروبية الخضراء».

فضلاً عن ذلك، ألزم الرئيس الصيني شي جين بينغ ثاني أكبر اقتصاد في العالم بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 في إعلان مفاجئ له خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي. وسيكون هذا التطور الجديد بمثابة تغيير لقواعد اللعبة في صناعة الطاقة العالمية.

أمّا اليوم وفي ظلّ إدارة بايدن، تعيد الولايات المتّحدة الأمريكية تصويب رؤيتها نحو اقتصاد أخضر. فبالإضافة إلى الانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، أعلن الرئيس بايدن عن خطط طموحة لجعل الانتعاش الاقتصادي للولايات المتّحدة الأمريكية بعد جائحة كورونا يرتكز على ثورة خضراء مع خطة مناخية بقيمة تريليوني دولار وتوفير مئات الآلاف من «الوظائف الخضراء» من خلال تطوير صناعة التكنولوجيا الخضراء، في محاولة للتنافس مع هيمنة الصين الحالية على القطاع.

ولا شكّ في أنّ توقيت كلّ ذلك ليس صدفة. فبصرف النظر عن أنّ تكاليف اقتصادية كبرى قد بدأت تترتّب على الأمم حول العالم بسبب تغيّر المناخ، من حرائق الغابات إلى الأعاصير والجفاف والفيضانات وغير ذلك، شكّل انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة حافزاً رئيسياً للتغيير، وقد بدأت كلفة إنتاج هذه الطاقات تقل عن تكاليف الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي. وبالتالي، بدأت الدول النامية تستثمر في البنية التحتية للطاقة المتجددة عوضاً عن استثمارها في الوقود الأحفوري تلبية لاحتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

وكان هذا التحوّل ملحوظاً في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي حيث تسعى الحكومات إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاقتصادات القائمة على الوقود الأحفوري مع الحفاظ على موقعها في طليعة السباق على صعيد الطاقة الخضراء. فقد أعربت دولة الإمارات العربية المتحدة بوضوح عن نواياها عبر استضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) في مدينة مصدر في أبوظبي عند تأسيسها عام 2009. علاوة على ذلك، خصصت الدولة أكثر من 163 مليار دولار أمريكي لتحقيق هدفها بزيادة حصّة مصادر الطاقة النظيفة في القدرة الإجمالية لشبكة الطاقة لديها إلى 50% (44% مصادر طاقة متجددة و6% طاقة نووية) بحلول عام 2050.

وحتى الآن، تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من تحقيق وعودها. فاثنان من أكبر مجمعات توليد الطاقة الشمسية موجودان في الدولة هما: مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الذي بدأ العمل به عام 2012 ومحطة نور أبوظبي للطاقة الشمسية التي باشرت بالعمل في إبريل 2019.

وقد بدأت الجهود الإماراتية تؤتي ثمارها. فعام 2020، أعلنت هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) عن زيادة بنسبة 9% في حصة دبي من الطاقة النظيفة، متخطية بذلك هدفها المحدد عند 7%، مع المزيد من الطموح لبلوغ نسبة 75% بحلول عام 2050.

من ناحية أخرى، ومع التحول في السياسات الحكومية وانخفاض تكاليف مصادر الطاقة المتجددة، ها نحن نبلغ بسرعة نقطة التحوّل حيث سيصبح التحول إلى الطاقة الخضراء أكثر تسارعاً، ولعلّ المكافآت ستكون كبيرة للأذكياء الذين شرعوا بالاستثمار في التقنيات الخضراء الآن.

مع الانتشار السريع لطاقة الرياح والطاقة الشمسية برز لاعبٌ جديدٌ في مجال الطاقة وهو الهيدروجين الأخضر. ويشير اقتصاد الهيدروجين إلى مفهوم استخدام الهيدروجين كمصدر طاقة بانبعاثات كربونية منخفضة ليحل محلّ الوقود الأحفوري كمصدر للحرارة والكهرباء للمباني والمركبات. وتجمع خلية وقود الهيدروجين بين الهيدروجين والأكسجين لإنتاج الكهرباء والحرارة، وتكون المادة الأساسية الوحيدة الناتجة عن هذه العملية هي الماء.

ولطالما تمثّل التحديّ التقليدي للهيدروجين بالكلفة المرتفعة للإنتاج، الذي كان يتمّ في الغالب بواسطة الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي. يبدو أن إنتاج «الهيدروجين الأخضر»، الذي يتم تحقيقه باستخدام الطاقة النظيفة في مصدر الإنتاج، ينمو بسرعة مع إدراك الحكومات بشكل متزايد إمكانات هذا القطاع.

وقد أعلن الرئيس بايدن عن خطط لاستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين بتكلفة أقل من الغاز الطبيعي. وسيستثمر الاتحاد الأوروبي 430 مليار دولار أمريكي في الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 للمساعدة في تحقيق أهداف صفقته الخضراء. وعام 2020، أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لبناء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 5 مليارات دولار تعمل ب4 جيجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي من شأنها أن تكون الأكبر من نوعها في العالم.

كما تقوم كل من تشيلي واليابان وألمانيا وأستراليا باستثمارات كبيرة في الهيدروجين الأخضر. ووفقاً لمجلس الهيدروجين، يمكن أن تبلغ قيمة سوق الهيدروجين العالمي 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2050، أي بما يوفّر ما يصل إلى 18% من متطلبات الطاقة العالمية.

وتنعكس كل هذه التطوّرات في الأسواق المالية حيث حققت استثمارات سويسكوت في المنتجات التجميعية في اقتصاد الهيدروجين عائدات بنسبة 170% منذ طرحها في فبراير 2020، متفوقة بذلك بسهولة على مؤشر ستاندرد أند بورز 500. وكسب صندوق ألبس للطاقة النظيفة (Alps Clean Energy)، وهو صندوق بأسهم متداولة في البورصة يرتكز على أسهم الطاقة البديلة، 21.8% من بداية السنة حتى اليوم، فيما ارتفعت قيمة أسهم صندوق «فيرست تراست»، وهو صندوق للطاقة النظيفة بأسهم متداولة في ناسداك مع تركيز على الشركات المتخصصة في الوقود الحيوي والطاقة الشمسية والبطاريات المتطورة، بنسبة 20% منذ بداية السنة.

وفيما تفتقر أسواق الشرق الأوسط إلى أدوات الاستثمار المتطورة التي تقدمها الأسواق المتقدمة، تبقى الخيارات المتاحة كثيرة للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، من الأسهم إلى الصناديق بأسهم متداولة في البورصة، أو الاستثمارات في واحد من الصناديق الناشئة في الشرق الأوسط التي تهدف إلى تحسين التنوع في اقتصاد الهيدروجين والاستدامة على المدى الطويل إلى المتوسّط.

وعلى الرغم من أنّ نسبة النمو ستختلف من بلد إلى آخر، ما زال القطاع يعد بإمكانات نمو هائلة، لاسيما في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والأسواق الناشئة في آسيا

شاهد أيضاً

green hydrogen

إنشاء منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يبدأ تشغيلها في عام 2026.

شهد الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة ، توقيع اتفاقية إطارية بين اتحاد شركات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *